الاختلاف في فاقد الطّهورين هل يقضي ما وجب عليه من صلوات أم لا

De Didaquest
Aller à la navigationAller à la recherche

مسألة فاقد الطهورين؛ أي: من لم يجد ماء طهورا، ولا صعيدا طيبا: كالمسجون والمربوط وراكب الطائرة، اختلف فيها العلماء اختلافا مشهورا داخل المذهب وخارجه إلى أربعة أقوال: الأول: قول الإمام مالك وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، تسقط عنه الصلاة؛ فلا يصلي ولا يقضي لانعدام شرط الطهارة ومن حجج هذا القول:

ــ قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا}(سورة النساء الآية 43.). ووجه الاستدلال به أن الآية منعت الجنب من اقتراب الصلاة حتى يغتسل بالماء الطهور، أو يتيمم بالصعيد الطيب؛ فإذا فقد الطهورين بقي المنع. ــ ما روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهﷺ: «لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ»، وفي رواية مسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهﷺ يقول: «لا تقبل صلاة بغير طهور»(صحيح البخاري:1/63،وصحيح مسلم: 1/204.)

وما روى أبو داود و الترمذي عن علي عن النبيﷺ قال: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم». 

الثاني: قول عبد الرحمن بن القاسم، تلميذ مالك، ت191ﻫ وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، يصلي ليأتي بغاية ما يقدر عليه، ثم يعيدها إذا وجد الماء احتياطا؛ لأن فقد الطهورين عذر نادر لا يسقط الإعادة، وهو الصحيح في مذهب الشافعية، وقول أبي يوسف من الحنفية. وحجة هذا القول قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}. وقول النبيﷺ قال: «فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»( صحيح البخاري:6/2658، وصحيح مسلم: 2 /975 و4 /1830.). ووجه الاستدلال بالآية والحديث أن المسلم مأمور بالصلاة بشروطها، فإذا عجز عن بعضها أتى بالباقي، وفاقد الطهورين غاية ما يقدر عليه أن يصلي بدون الطهورين، وإنما يعيد الصلاة احتياطا للدين، ودرأ للشبهات لقولهﷺ: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام»(صحيح البخاري:1/28.و صحيح مسلم: 3 /1219.). الثالث قول أصبغ بن الفرج بن سعيد، تلميذ ابن القاسم، المتوفى سنة 225ﻫ وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، لا يصلي ولكنه يقضي إذا وجد أحد الطهورين: الماء أو الصعيد؛ لأنها عبادة لا تُسقط القضاء فلم تكن واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وعزاه ابن قدامة للأوزاعي والثوري. وحجة هذا القول قوله تعالى: {ولا تقربوا الصلاة الآية}، وقولهﷺ: «لا تقبل صلاة بغي طهور»؛ إلا في القياس؛ فإنهم قاسوا صلاة فاقد الطهورين على صيام الحائض فأوجبوا القضاء .(المغني لابن قدامة: 1/251، وبدائع الصنائع للكسائي: 1 /50و54، والبحر الرائق للزين: 1 /172) الرابع: قول أشهب ت 204ﻫ وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، يصلي حسب حاله ولا يعيدها، وهو مذهب أحمد، وبه قال إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي. وحجة هذا القول نفس أدلة القول الثاني؛ من قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وقولهﷺ: «فأتوا منه ما استطعتم»؛ إلا أنهم قالوا بعدم الإعادة، واستدلوا : بما روى البخاري في "باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا" في كتاب التيمم عن عائشة «أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول اللهﷺ رجلا فوجدها، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا فشكوا ذلك إلى رسول اللهﷺ فأنزل الله آية التيمم»؛ ووجه الاستدلال به أن فقد مشروعية التيمم ينزل منزلة فقد الصعيد بعد مشروعية التيمم، وحكم الصحابة رضوان الله عليهم في عدم المطهر، الذي هو الماء خاصة قبل مشروعية التيمم، كحكمنا في عدم الطهورين: الماء والصعيد بعد مشروعية التيمم.

أما القول الراجح مما سبق فهو قول أشهب "أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، يصلي حسب حاله ولا يعيدها" قال ابن عبد السلام: "والأكثرون على اختيار ما لأشهب، وفي المواق عن ابن عمران: "أن قول أشهب هو قول جمهور السلف وعامة الفقهاء وعامة المالكيين" قال النووي: "هو أقوى الأقوال دليلا "(شرح مسلم للنووي: 3/103)